بقلم الدكتور أماني الحفني
استاذ الحشرات بمعهد بحوث وقاية النباتات. وعضو برنامج الإدارة المستدامة لدودة الحشد الخريفية – مركز البحوث الزراعية – مصر
دودة الحشد الخريفية فى مصر
- ما هى:
حشرة دودة الحشد الخريفية هى حشرة تعيش فى المناطق الأستوائية وشبه الأستوائية فى امريكا والتى انتشرت حاليا لتغطى أكثر من مائة دولة حول العالم. وهى حشرة تنتمى تقسيميا الى رتبة حرشفية الأجنحة وعليه فالطور الضار هو اليرقة.
نبذة تاريخية عن دودة الحشد الخريفية وانتشارها:
الحشرة ليست بجديدة على العالم حيث اكتشفها عالم أمريكى لأول مرة عام 1897 فى أمريكا. ووصلت لقارة أفريقيا عام 2016. ووصلت السودان – الجار الجنب لمصر – فى أوائل عام 2017 وقد أعلن دخولها لمصر فى مايو 2019. ومن المفارقات أن الحشرة سجلت بقارة آسيا عقب دخولها للسودان عام 2017 وقبل دخولها لمصر. ومنذ ذلك الحين، انتشرت دودة الحشد الخريفية في أكثر من 54 دولة في غضون ثلاث سنوات بسبب قدرتها العالية على التكاثر والطيران. وانتشرت بعشرات الدول من قارة آسيا متضمنة الصين والهند واليابان، وسجلت ايضا فى استراليا وتيمور الشرقية.
لمحة عن الأضرار والخسائر فى أفريقيا بسبب دودة الحشد الخريفية
ومن الجدير بالذكر – طبقا لما ورد عن الفاو – أنه عند وصول الآفة – عام 2016 – إلى أفريقيا، تسببت في خسائر فادحة في إنتاج الذرة في العديد من البلدان ذات الإنتاج المحدود والتي تعاني من انعدام الأمن الغذائي. وحيث ان دودة الحشد الخريفية انتشرت في أكثر من 54 دولة في غضون ثلاث سنوات تسببت فى خسائرلمحصول الذرة في أفريقيا تقدر بنحو 5 مليارات دولار، مما يهدد الأمن الغذائي والدخل لأكثر من 300 مليون مزارع أفريقي، الذين تعتمد حياتهم على إنتاج الذرة.
واستناداً إلى تقديرات عام 2018 من 12 دولة أفريقية، يمكن فقدان ما يصل إلى 17.7 مليون طن من الذرة سنوياً بسبب دودة الحشد الخريفية اذا لم يتم الشسيطرة عليها في تلك القارة – وهو ما يكفي لإطعام عشرات الملايين من الناس. ويصيب التأثير المباشر لهذه الخسائر مزارعي الذرة أصحاب الحيازات الصغيرة، الذين يعتمد معظمهم على المحصول لدرء الجوع والفقر.
المدى العوائلى للحشرة:
تستطيع الحشرة أن تصيب ما يربو من 370 نوع نباتى تتبع معظم وأهم العوائل النباتية المعروفة حوالى 27 عائلة نباتية علما بان عائلها المفضل هو الذرة. وفى مصر تم تسجيلها على الذرة فى جميع المحافظات الزراعية بالاضافة بؤر محدودة فى حقول القمح والقصب والبنجر
مظاهر وأعراض الاصابة:
تسبب الأعمار الصغيرة ثقوب على السطح السفلى للأوراق وفى البداية يكون الأكل من ناحية واحدة من سطح الورقة فتتكون مظهر شبابيك. الأعمار الكبيرة يظهر الاعراض فى صورة اكل جانبى للأوراق قد يؤدى الى تهلل الأوراق وكسر نصلها. أما على الكيزان تدخل اليرقة للكوز من الجانب فتبدو الاصابة على شكل ثقوب كثقب بالشنيور.
- العوامل التى تعزز من خطورة الأفة خاصة تحت الظروف المصرية:
- وأشارت الدراسات الى ان المدى الحرارى للحشرة من 30:15 م° والمثلى 28 م°، وتموت على أقل من 10 م° وأعلى من 40 م° ومن المعروف ان هذه المدى متاح فى معظم المحافظات الزراعية بمصر طوال العام.
- مصر تعتبر اقليم زراعى مفتوح لا يوجد جبال او بحار تفصل المحافظات عن بعضها مما ييسر على الحشرة انتشارها.
- توافر جميع عوائل الآفة بمصر.
- لطع بيض الآفة مغطى بزغب مما يحميه من الأعداء الحيوية والمبيدات المتخصصة.
- غزارة تكاثر حيث أن الحشرة ليس لها بيات أو سكون ويمكن أن نتتج 12 جيل فى السنة.
- سريعة الأنتشار حيث سجل للفراشة حوالى 100كم طيران فى ليلة.
- تختبأ اليرقات داخل قلب نباتات الذرة – وهو العائل المفضل لها – مما يصعب وصول الأعدء الحيوية وكذلك المبيدات.
- شراهة التغذية حيث أن العمر اليرقى الرابع والخامس يتسبب فى ما يقرب من 77% من الضرر على تباتات الذرة.
- الآفة مقاومة لمعظم المبيدات الكيميائية وكذلك النباتات المهندسة وراثيا.
فكرة استئصال آفة دودة الحشد الخريفية عند ظهورها
قد يتبادر للاذهان أنه لماذا لا يتم القضاء على الآفة بمجرد ظهورها فى مكان ما أو حقل ما.
هذا الأمر غير قابل للتطبيق فى حالة دودة الحشد الخريفية حيث أن الحشرة طيارة فالحشرة تستطيع الطيران لمسافة 100 كم ليلة وبالتيعية فلا يمكن القضاء عليها فى مكان محدد فعلى سبيل المثال اذا قمنا باحراق الحقل المصاب فقد تنجو فراشة وتضع لطع البيض على نباتات اخرى فى حقل اخر. هذا بالاضافة الى أن استئصال الآفة يعنى القضاء على أعدائها الحيوية وهذا الأمر يخل بالتوازن البيئى الطبيعى.
استراتيحية الوزراة فى مواجهه دودة الحشد الخريفية:
ومن الأهمية بمكان الاشارة الى استراتيحية الوزارة فى مواجهه دودة الحشد الخريفية.
أولا: قبل دخول الآفة
اتخاذ جميع التدابير الأستباقية اللازمة لتأخير دخول الآفة.
ثانيا: بعد دخول الآفة
اتخاذ جميع التدابيرلتأخير تقدمها بين المحافظات وفى حال تقدمها اتخاذ التدابير اللازمة لتقليل ضررها وانتشارها على العوائل المختلفة.
ومن الجدير بالذكر أن الوزارة بجميع أجهزتها قد نجحت تماما فى تحقيق هذه الاستراتيجية حيث أن الآفة لم تسجل فى مصر الا بعد عامين من دخولها السودان. والحشرة لم تستطع تغطية جميع محافظات مصر الا بعد عامين من دخولها مصر، على الرغم من أنها غطت أكثر من 40 دولة فى أفريقيا خلال عام واحد.
جهود وزارة الزراعة وانجازاتها فى مواجهة آفة دودة الحشد الخريفية
أولا: فى مجال برامج التوعية والإرشاد والتدريب
- تم تنفيذ العديد من الأنشطة التوعوية استهدفت حوالى (1410) متدرب، حيث استهدف التدريب عدة فئات منها المكافحة والإرشاد والحجر الزراعى، علميين، باحثين، مزارعين.
- استهدفت الأنشطة التوعوية جهات مختلفة مثل مديريات الزراعة وإداراتها، الجامعات، مسؤولى مصانع قصب السكر ومصانع بنجر السكر، مركز البحوث والتدريب فى الأرز، المعاهد البحثية ذات الصلة، محطات البحوث، شركات خاصة مثل سنجنتا.
- تم اعداد المادة العلمية لبرامج التوعية والإرشاد والتدريب على ثلاث مستويات بحيث تناسب الفئة الموجهه اليها “المزارع – الباحث –المطبق والأخصائى”.
- تم التركيز فى برامج التدريب والارشاد على ثلاث محاصيل وهم الذرة، قصب السكر، الأرز، وبنجر السكر.
- خصصت مجموعة من الدورات للتدريب لأخصائيى المكافحة والحجر الزراعى على الرصد والمراقبة .
- تم التدريب فى مجال المكافحة البيولوجية على التربية الكمية للطفيل وعمليات الإطلاق.
وهنا تجدر الاشارة الى التنوع الذى قدم فى أساليب الإرشاد والتدريب والمواد التوعية وحيث أن المزارع هو صاحب المصلحة المتضرر والمنتفع الاساسى من اصابة محاصيله بدودة الحشد الخريفية – لا سيما المزارع ذو الحيازات الزراعية الصغيرة – فقد أقيمت أيام حقلية لمحصول الذرة الشامية وتم تعريف المزارعين بأشكال الاصابة فى الحقول وكيفية التعرف على الآفة. كما نفذت أيام للحصاد لمحصول الذرة وتم استعراض نتيجه الممارسات الزراعية الجيدة وظهرت جلية امام المزارع من خلال وزن المحصول فى نهاية الموسم.
ولم تتوقف العملية التوعوية عند المزارع فقط بل امتدت لتشمل أسرته من خلال تنفيذ عدة مدارس حقلية أهتمت بتوعية زوجة المزارع وأولاده بأضرار الآفة. وأقيمت بالفعل تلك المدارس بعد تدريب ممنهج لميسرين وهم السادة المسئولون عن تنفيذ المدارس الحقلية حيث تم الاخذ فى الاعتبار أن يكون الميسر من نفس المحافظة التى أقيمت بها المدرسة ان لم يكن من نفس القرية المنفذ بها المدرسة الحقلية وذلك لضمان سهولة توصيل المعلومة لأسره المزارع وسهوله التواجد الدائم مع المزارع وأسرته.
ثانيا: فى مجال المكافحة الحيوية وتعزيز دور الأعداء الحيوية:
- تم حصر الأعداء الحيوية الطبيعية بثلاثة مواقع بكل من محافظتى قنا وسوهاج.
- تم رصد طفيل تلينومس المتخصص لدودة الحشد الخريفية.
- تربيته الطفيل واطلاقه فى حقول الذرة.
- تم تطوير البنية الأساسية ورفع كفاءة كل من معمل الأعداء الحيوية بشندويل ووحدة انتاج المركبات الحيوية بمعهد بحوث وفاية النباتات بالجيزة بالوزارة.
ثالثا: فى مجال الممارسات الزراعية:
قبل وعند بداية دخول الآفة الى مصر كانت المعلومات المتوفرة لدى جهات الوزارة ذات الصلة عن الآفة هى معلومات مستسقى من المراجع والأبحاب والأوراق العلمية الخارجية. وهنا كانت الحاجة ملحة لدراسة الآفة تحت الظروف المصرية من خلال مجموعة من الممارسات الزراعية لمحصول الذرة. وبالفعل بعد عمل دؤوب وشاق فى ثلاث محافظات فى صعيد مصر لمدة عامين متتاليين ولدت حزمة من التوصيات الفنية لزراعة الذرة – العائل المفضل – للآفة تسطيع الوزارة تقديمها للمزارع حيث أن مصلحته دوما نصب أعينها.
واشتملت الممارسات الزراعية على عدة تجارب لتقييم مواعيد الزراعة، معدلات التسميد، أصناف الذرة اضافة الى تجارب تحميل المحاصيل المختلفة مع الذرة. ولم يتم اغفال تجارب المبيدات الكيميائية وان كانت هى الملاذ الأخير والذى يسبقه مجموعة اجراءات وقائية وزراعية.
الدور الذى لعبته لجنة مبيدات الآفات الزراعية لا يمكن اغفاله حيث اعتمدت مجموعة من المبيدات المتخصصة لدودة الحشد الخريفية حيث تم مراعاة أن تكون مبيدات فعالة ذات أثر باقى منخفض ومنها مبيدات من أصل حيوى.
الموقف الحالى والمستقبلى لآفة دودة الحشد الخريفية فى مصر:
أولا الموقف الحالى:
على الرغم من انتشار الآفة فى جميع المحافظات الزراعية المصرية واساسا على الذرة نجحت الوزارة فى السيطرة عليها وتقليل ضررها حيث لم يصل متوسط الاصابة بها على الذرة لأكثر من 8%. الوضع مطمئن حيث ان الحد الاقتصادى الحرج المقدر بالخارج فى موطنها الأصلى والذى يسبب ضررا اقتصاديا وخسارة معنوية حوالى 20%.
وسجلت بصورة عرضية فى بؤر محدودة جدا على القمح وقصب السكر وبنجر السكر وتم مكافحتها تماما فى هذه البقع.
ثانيا الموقف المستقبلى:
استراتيجية الوزارة المتبعة للتعامل مع دودة الحشد الخريفية تتمتع بالمرونة وفقا لكل المتغيرات المستحدثة وذلك لأننا نتعامل مع كائن حى يغير ويتغير فى بيئنه استجابة للفطرة التى خلقه الله تعالى عليها وهى الصراع للبقاء، وعليه الاستراتيجية المستقبلية للوزارة هى استمرار ابقاء الآفة تحت السيطرة كما هو الحال حاليا بمواصلة جميع الاجراءات والأنشطة التى اتخذت ضد الآفة على كافة الاصعدة ولن يتحقق ذلك الا باستمرار تضافر جهود جميع الجهات ذات الصلة وايضا استمرار العمل تحت مظلة واحدة.
ومن هنا جاءت توجيهات معالى وزير الزراعة للجنة أزمة دودة الحشد الخريفية ونظرا لانتهاء الدعم المقدم من منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” لهذا الغرض فتم تخصيص دعم مالى مقدم من لجنة مبيدات الآفات الزراعية لمواصلة الأنشطة.
حيث تم صياغة مجموعة من المقترحات والأنشطة تحت مسمى “برنامج الادارة المستدامة لدودة الحشد الخريفية”. تستهدفت جميع أنشطته استمرار ابقاء الآفة تحت السيطرة.
وتركزت محاور البرنامج فى أربعة محاور وهى:
- التوعية والارشاد استمرار ندوات التوعية والارشاد
- التقصى والاستكشاف
- الممارسات الزراعية
- منظومة المبيدات
وبشهادة المنظمات الدولية ودول كثر مصر كعادتها فى الريادة – وبفضل جهود القائمين عليها فى كل قطاعات الوزراة – قدمت نموذجا رائعا لادارتها للأزمة حيث اعتبرت تجربة مصر فى مواجهة دودة الحشد الخريفية قصة نجاح تدرس لمواجهة أزمة كادت تطيح بجزء لا يستهان به من الثروة الزراعية لولا الاجراءات الاستباقية والاحترازية التى اتخذت والخطة الممنهجة التى نفذت بكل دقة وتحملت فيها كل جهة مسئوليتها قبل وبعد دخول الآفة.
وسنتمكن من السيطرة على هذه الآفة وامثالها حفاظا على مصلحة المزارع والاقتصاد القومى للبلاد.
حفظ الله تعالى مصر من كل سوء